Wednesday 22 February 2012

وطنيتنا تمر عبر القطيف




حتى لا نصل إلى تلك المرحلة التي لا يُسمع فيها صوتٌ للمنطق ، و قبل أن تُزكم أنوفنا رائحة الانقسام المخيف الذي لا يُقدّم مصلحة الوطن على قناعاته. لابد من وقفة عاجلة يتحمل فيها أبناء هذا الوطن مسؤولية كلماتهم و أعمالهم.
فبعد أن طالب الأستاذ قينان في مقاله أمس عقلاء القطيف بتحييد بعض الرموز والتحذير منها علنًا ، أرى أن جزءًا مكمّلًا للحل يتمثل كذلك في تحييد بعضًا من الشعب !

فالأصوات التي ترتفع على ناصية كل "كربة" وتتعامل بتطرف وغلو منادية بمحرقة ومتناسية أن الإرهاب والتطرف لا ينحصر في مذهب أو دين ، تلك الأصوات يجب تحييدها و إبطال فعاليتها و تجميد تأثيرها وعلينا تكرار هذا الكلام كثيراً حتى تتبرمج العقول بتلقائية احترافية على تجاهل الأصوات الطائفية و المتطرفة .

إن حرب المملكة على الإرهاب والتي بدأت مع بداية هذه الألفية كانت موجهة ضد "فئة ضالة وفكر ضال" في المجتمع ، ولم تشكل تهديدًا على الوحدة الوطنية في أي مرحلة من مراحلها ، بل على العكس فإن بعضًا من سلبيات الحرب على الإرهاب وحّدت بين أطياف و توجهات مختلفة في هذا الوطن. و بنفس المنطق فإن أحداث القطيف يجب أن تُحدِث نفس التأثير الإيجابي على الوحدة الوطنية استناداً على مبدأ الثبات على الحق. فالتعرض لرجال الأمن بالرصاص والمولوتوف عمل إرهابي لئيم بغض النظر عن "إحداثيات موقع" من قام به . و على نفس النهج ، فإن من قام بالفعل المعتدي هو (وحده) الإرهابي اللئيم وليس جميع من جاوَروا إحداثياته و شاركوه صلاةً  في مسجد أو عزاءًا في حسينية !

من ناحية ثانية فإن الظروف التي ساعدت الدولة في حربها على الإرهاب مختلفة تماما عن الظروف الحالية مما يستدعي جهودا مضاعفة من الجميع ، و بالأخص من الأصوات الوطنية الحكيمة وحبذا لو كانت أصوات شبابية من مختلف أنحاء المملكة تجمعها بشباب القطيف هموم مشتركة يجري التنسيق على اجتماعها في القطيف والقيام بمبادرة شبابية من أجل إيجاد مخرج مُرضي و سليم لهذه الأزمة الوطنية . 

منال 

نشر هذا المقال في صحيفة الشرق بتاريخ 22 فبراير 2012

Thursday 16 February 2012

حق السمعة والكرامة



مع كل أزمة "محلية" تصاب فئة كبيرة وعريقة من الناس  "بمتلازمة" تسمى نسبية الأخلاق فتطرح عنها من المبادئ والقيم ما يعرّيها حتى يقف العقلاء من ذلك في ذهول !

يقول الرافعي في مقال له ضمن كتابه وحي القلم : لو أنني سُئلت أن أُجمّل فلسفة الدين الإسلامي كلها في لفظين ، لقلت "إنها ثبات الأخلاق" ، ولو سُئل أكبر فلاسفة الدنيا أن يوجز علاج الإنسانية كله في حرفين ، لما زاد على القول: "إنه ثبات الأخلاق".

إن الأخلاق لا تتجزأ يا سادة ، ولا يُستثنى منها شئ وفقاً للظروف والأحداث و استجابة لضغوط المجتمع. فباسم ماذا يُشرّع همز الناس ولمزهم و تسميتهم بأكره الأسماء إلى قلوبهم و معايرتهم بما ليس فيهم أو ربما حتى هو فيهم !؟ فهذا محامي "نص كُم" لأنه يدافع عن خصمك ، و ذاك زنديق لأنه طالب بالعفو والبر ، و هؤلاء جاميون وأولئك سروريون -لا أعلم حجة لهذين التصنيفين ولن أبحث عنها- حتى فُتن الناس بفكرة تأجير مساحات من عقولهم لمن يجيد التصنيف من النخبة ، فلا يهدأ لهم بال حتى يضع الواحد منهم كل شخص اختلف معه في خانة مُستأجرة من عقله !

في مثل هذه الحالة من الفوضى التي لم تعد فيها ثوابتنا الأخلاقية ضماناً لحفظ حقوق الناس "العاديين" ،  و لا تقف حائلا دون تعرضهم للقذف والتشهير والحكم على نواياهم ، أرى ما رآه الفرنسي هنري برجسون في فلسفته الأخلاقية وهو أن الامتثال للواجب الأخلاقي لا ينبع من الإرادة الحرة للأفراد ، و أنه لابد من توفر "سلطة المجتمع" من أجل احترام الواجب . سلطة المجتمع هنا بمعنى الثقافة، الدين ، القانون والتربية .

وبما أن ثقافتنا لم تتضح لها سمات بعد ! و أخلاقنا الإسلامية أصبحت نسبية ، و التربية هي التي أنتجت كل هذه الفوضى ! يبقى الأمر في نهايته بيد القانون ، فلابد إذن من توعية أفراد المجتمع بحق السمعة و الكرامة والذي يعتبر بند من بنود الإعلان العالمي الإسلامي لحقوق الإنسان . و تيسير الطرق القانونية الفعالة لكي يسترجع كل متضرر حقه المعنوي حتى ننأى بالمجتمع عن أي فتنة و نحمي هذا الوطن مما قد يجره إليه بعض الحمقى دون "وعي" منهم. 

منال 

نشر هذا المقال في صحيفة الشرق بتاريخ 16 فبراير 2012

Wednesday 8 February 2012

أكثر خمسة أمور يندم عليها المغادرون




كتبت الأسترالية بروني وير قبل عامين مقالاً في مدونتها تجاوز عدد قراءه حتى اليوم الخمسة ملايين قارئ. المقال لخّص لمشاعر الندم التي رافقت الأشخاص الذين عملت بروني على رعايتهم في مراحل حياتهم الأخيرة . وسرَد أهم خمسة أمور يندم على فواتها المغادرون للحياة !
الندم على أنهم عاشوا حياتهم كما طُلِبَ و تُوقع منهم لا كما يتمنون ، تصدر قائمة "الحزن على ما فات " . حيث ترى بروني أنه من الضروري جدا محاولة الوفاء لبعض أحلامنا قبل فوات الأوان . و أرى أن جزء من مشكلتنا هنا هو أننا لا نسعى جديا ً لتحقيق أحلامنا أو أننا نزهد في أحلامنا كلما اقتربنا من تحقيقها . ولكن تلك الأحلام التي نتخفف منها أثناء قضاء مشاوير الحياة المطلوبة منا تظل عالقة بذاكرتنا من حيث لا ندري.
جاء في المرتبة الثانية من قائمة ندم المغادرين ، التحسر على تضييع الكثير من الأوقات الجميلة التي كان من الممكن قضاءها مع الأحبة ، " ليتني لم أجهد نفسي كثيرا في العمل" عبارة سمعتها بروني من جميع الرجال الذين قامت على رعايتهم أثناء عملها كممرضة لأشخاص يواجهون الموت . وتصل بروني من ذلك لاستنتاج عملي ، وهو أننا لو اتخذنا قرارات واعية خلال مشوار حياتنا لما احتجنا للدخل المادي الذي نعتقد أننا في حاجة إليه وذلك من خلال تبسيط أسلوب حياتنا .
في المرتبة الثالثة جاء الندم على كبت المشاعر ، فحفاظا على السلم مع الآخرين نحن لا نقول كل ما نريد قوله ، مما جعل الأشخاص الذين  يقيدون الكثير من مشاعرهم يرتضون لأنفسهم وجودا متواضعا لا يرتقي إلى مستوى قدراتهم  لأنهم ما استطاعوا تجاوز الآخر الذي يقف عائقا أمام ذلك  ! تؤمن الكاتبة أنه يتحتم علينا التعبير عن مشاعرنا تجاه الآخرين بغض النظر عن سلبية أو ايجابية المشاعر . و أعتقد أن التعبير عن مشاعرنا الحقيقية سيزيد من متانة علاقاتنا الجيدة و سيزيح عن طريقنا تلك العلاقات الغير صحية ذات السور المنخفض الذي تتسلل عبره آفات المشاعر إلى أرواحنا فتتلفها . فمن الضروري علينا إذن احترام مشاعرنا و عدم  الاستهانة  بتأثيرها على حياتنا .
إن جميع من صحبتهم بروني وير إلى بوابة المغادرة كان يفتقد صديقاً ، وجاء الندم على خسارة الأصدقاء في المرتبة الرابعة من قائمة "الخمس أمور التي يندم عليها من هم على مشارف الموت" ... تقول بروني : الجميع يفتقد أصدقائه عند الموت ... و كفى !
أخيرا وليس آخرا ، فقد ردد الكثير من المغادرين عبارة "ليتني أسعدت نفسي أكثر"!   . فبعد تجلي الذاكرة في حضرة الرحيل اقتنع الجميع أن السعادة خيار متاح في كل حين من الحياة .غير أنهم ظلوا طوال حياتهم أسرى لنمط حياة تقليدي و عادات مملة ! فالخوف من التغيير و الارتياح للمألوف جعلهم يصطنعون التماسك والسعادة في الوقت الذي تتوق فيه أرواحهم لضحكة من القلب أو ممارسة أمر سخيف قد يجلب الفرح إلى قلوبهم .
جدير بالذكر أن الأسترالية بروني بالأساس موسيقية وكاتبة أغاني انتقلت من العمل كموظفة في شركة إلى العمل في "الرعاية التلطيفية" ، أي دعم  المرضى اجتماعيا و روحانيا في المراحل الأخيرة من حياتهم ، دون أي سابق خبرة و لا مؤهل علمي  ! غير أنها استطاعت بقلبها الحي تلخيص تجربتها في مقال أثر على الملايين من الناس و ترجم إلى عدة لغات و تحول إلى كتاب صدر العام الماضي يحمل عنوان : أكثر خمسة أمور يندم عليها من هم على مشارف الموت – حياة تحولت من قبل المغادرين الأحباء . و تقصد هنا حياتها الشخصية التي حولتها تجربة العمل مع المغادرين إلى حياة أكثر حفاوة و حب وتقدير للعيش و ذلك من خلال تطبيقها للدروس المكتسبة ممن صحبتهم من المغادرين .

من العبارات المؤثرة التي وردت في المقال :
-         في نهاية الأمر و بعد الكثير من الغضب والندم ، يجد المغادرون السلام قبل رحيلهم .
-         الصحة تجلب مساحة كبيرة من الحرية لا يفطن لها الكثيرون !
-         كل ما نبحث عنه في الأسابيع الأخيرة هو الحب و العلاقات الجيدة .

منال
نشر هذا المقال في صحيفة الشرق بتاريخ 8 فبراير 2012