Tuesday 27 March 2012

معرض الحج بلندن... بروباجندا سياسية !؟




حرصت خلال زيارتي الأخيرة إلى لندن على مشاهدة معرض الحج المقام في المتحف البريطاني و الذي يُعد المتحف الأهم و الأكبر في المملكة المتحدة ويزوره نحو ستة ملايين شخص سنويا من مختلف أنحاء بريطانيا والعالم.
معرض « الحج ... رحلة إلى قلب الإسلام» والمستمر حتى منتصف ابريل القادم،  بتفاصيل أقسامه الثلاث ثري ومبهر جدا غير أن التحديات التي واجهته تجاوزت مرحلة الإعداد له منذ عامين إلى غيرها . فمدير المتحف البريطاني (نيل ماكغريغور) و مشرفة معرض الحج (فينيشا بورتر) غير مسلمين، و اتُهم كلاهما بمحاولة «استرضاء المسلمين»  عبر إقامة هذا المعرض. بالإضافة إلى أن الشريك الرسمي  في هذا الحدث هو جهة سعودية رسمية متمثلة في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، مما جعل بعض الأصوات البريطانية مثل الكاتب (نك كوهين) يعتبرون معرض الحج «بروباجندا دينية و سياسية»! في حين زعمت بعض الأصوات الأخرى بأن المملكة العربية السعودية لا تُبالي أصلا بالآثار الإسلامية الموجودة على أراضيها ولا تهتم بحمايتها !
 كل ما سبق لم يحد من نجاح المعرض الذي استقبل خلال الأسابيع السبعة الماضية أكثر من 80 ألف زائر وحقق أحد أهم أهداف المتحف البريطاني منذ نشأته وهو: جعل زائريه يفهمون العالم بصورة أفضل؛ بحسب تعبير مدير المتحف (ماكغريغور).

الأغلبية في بريطانيا تعلم جيدا أن الإسلام والمسلمين الذين يشكلون ثاني أكبر تجمع ديني في المملكة المتحدة جزء رئيس من النسيج الاجتماعي البريطاني، و أن معرض الحج أتاح لهم فرصة عظيمة للتعرف على ما يجدونه أمرا غامضا و مثيرا، و لا يسمح لغير المسلمين المشاركة في اكتشافه على أرض مكة، و ما يعرضه هذا المعرض يتجاوز كثيرا ارتباطه بالدول الإسلامية المشاركة فيه إلى الوصول بالزائر لقلب الإسلام، عبر الغوص في رحلة تاريخية إلى الحج تنتهي إحدى مشاهدها بصورة جميلة لليدي إيفيلين كوبولد (زينب) –رحمها الله- وهي أول بريطانية مسلمة تؤدي مناسك الحج عام 1933م وكان عمرها حينها 65 عام ، وقد كتبت بعد الحج في صفحة من مذكراتها المعروضة : يبدو أنني كنت مسلمة طول حياتي !

بهذا المشهد يغرب أي اتهام عنصري أو استهلاك سياسي لأي طرف عن ساحة معرض: الحج ... رحلة إلى قلب الإسلام . 
 
منال

نشر هذا المقال في "الشرق" بتاريخه 

Wednesday 14 March 2012

يوم الحب "الأسود" !؟

في مثل هذا اليوم (14 مارس) يدفع الرجال في كل من اليابان و كوريا و تايوان ثمنًا باهظًا مقابل ما وُهب لهم من حب قبل شهر من تاريخه. حيث يكون لزامًا على كل رجل رد هدية محبوبته له في عيد الحب الماضي بثلاثة هدايا أو بواحدة لها ضعف الثمن على الأقل ، و من حظ الرجال الأسود في ذلك الجزء العجيب من العالم أنهم يطلقون على هذا اليوم ، الذي يُكلف فيه الحب الرجل الشئ الكثير، يطلقون عليه اسم : (اليوم الأبيض) !

المثير في الأمر هو ذلك الاتفاق الضمني بين نساء العالم على أن الرجل يحتاج أضعاف المجهود والمال الذي تبذله المرأة ليبرهن عن حبه و إخلاصه ، في الوقت الذي تكفي فيه المرأة علبة حلوى و نظرة امتنان لتجعل من أي رجل يردد فيها –بدون حس- : لا خَلَتْ مِنْ سَنَاكُمُ الأَحْيَاءُ ... فَبِكُمْ تَنْجَلي بها الظَّلْمَاءُ !

و إذا كان 14 فبراير يومٌ الحب الأحمر و مشروع تسمين للرجال بما يتناولونه فيه من حلوى ، و 14 مارس يوم ثمين و أبيض بإنصافه للنساء ، فإن الكوريين الجنوبيين قد أحسنوا و أبَرّوا عندما خصصوا نفس هذا اليوم من الشهر القادم (14 إبريل) لمن لم يتلق أي هدايا في اليومين السابقين و سمّوه باليوم الأسود ! حيث يجتمع فيه تعساء هذا العام ليتناولوا "الجاجانغميون" وهي عبارة عن مكرونة بصلصة الفول الأسود ، و يرتدون الأسود في الغالب فيما يشبه الحداد الهزلي على الحب الذي لم ينصفهم ، وسنينه !


فكرت و أنا أكتب هذه التدوينة في تطبيق لألوان الحب يناسب "خصوصية" مجتمعنا و مشابه لأصدقائنا الكوريين في احترامهم لعواطف جميع شرائح المجتمع الكوري .  ولتكن ألوان أيامنا في حب الوطن فالجهر بحبٍ غيره يتجاوز الخصوصية إلى شئ آخر  ... غير أنني وجدت أن ذلك أيضا غير ممكن في ظل غياب مجلس شعب منتخب نخصص باسمه يوم حُب للوطن و الملك ، و آخر ينتخِب فيه الشعب أعضاء مجلسه ، و أخير يُساءل فيه وزير ، و بنفس تسلسل ألوان أيام الحب الكورية !



منال


نشر هذا المقال في الشرق بتاريخ 15 مارس 2012 

http://www.alsharq.net.sa/2012/03/14/164791 

Wednesday 7 March 2012

طبول الحرب تُدق في (أيباك) !؟



في خطابه الذي ألقاه أمس الأول أمام المؤتمر السنوي  للجنة العلاقات الخارجية الامريكية الاسرائيلية (أيباك) ، شدد نتنياهو على كون اسرائيل هي "سيدة مصيرها" وأنها دولة قادرة وحدها على حماية نفسها من أي خطر . وطبعًا الخطر الوحيد الذي قصده نتنياهو هو التهديد الإيراني على كيان اسرائيل " الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ، حامية حقوق الأقليات و كافلة جميع الحريات " كما زعم أمام الحضور الذين قدر عددهم بحوالي 13 ألف شخص ، بينهم ثلثي أعضاء الكونجرس الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي و مسئولون عسكريون وطلاب من مختلف الجامعات الأمريكية وشخصيات دينية وسياسية تمول الأيباك بما لا يقل عن 3600 دولار سنويًا كشرط لحضور فعاليات هذه اللجنة الصهيونية.

استمر خطاب نتنياهو حوالي ثمانية وعشرين دقيقة كان حظ إيران الأسود منها ثماني عشرة دقيقة! غير أن ذلك لا يثير الاستغراب كثيرا إذا علمنا أن أهم خمسة مواضيع تتصدر أجندة  أيباك الرسمية و المعلنة في موقعها الرسمي هي تلك التي تتعلق :بإيران ، سوريا ، حزب الله ، حماس و مصر.  و بما أن  نتنياهو على حد تعبيره في المؤتمر يعتبر حزب الله وحماس "وكلاء حصريين لجمهورية إيران الإسلامية في الشرق الأوسط"  فلا غرابة إذن أن تكون إيران هي الشأن الأهم لإسرائيل اليوم وكل يوم.

إن ما يسميه بعض المحللين السياسيين في أمريكا "هستيريا إيران" هو أمر معتاد يزداد زخمًا كلما اقترب الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، فإسرائيل تستخدم إيران كورقة تكسب بها تعاطف أوباما بلعب دور الضحية في المنطقة ، و اوباما يستغل ذلك الرضوخ الضمني لإسرائيل و إرخاء الكتف لها وسماع عويلها السنوي في زيادة قبوله و تذكية جاذبيته لكسب أصوات اللوبي الصهيوني. لكن الجديد هذه المرة أن نتنياهو أكد مرارا و تكرارا ضمنا وعلانية في مؤتمر أيباك أن حماية مصالح اسرائيل وشعبها يقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية "وحدها" ، وأن باستطاعته اتخاذ أي قرار يضمن ذلك و لو لم تظهرنتيجته في صالح اسرائيل والمجتمع الدولي على المدى القريب . مبطلًا جميع الشكوك التي يرددها العقلاء في أمريكا والتي تقلل من قدرة إيران النووية و نواياها العدوانية تجاه اسرائيل بقوله : القادة المسؤولين لا يراهنون بأمن بلدهم و سياسة الاحتواء ليست خيارًا مطروحًا لدينا عند التعامل مع إيران. المضحك في الأمر أن نتنياهو حاول احراج أمريكا ببكائية تشبه كثيرًا بكائيات إيران نفسها حين وقف في المؤتمر و و رفع للحضور رسالتين تم تبادلهما عام 1944 بين الكونجرس اليهودي العالمي و وزارة الحرب الأمريكية آنذاك ، الرسالة الأولى تحوي طلب اليهود من أمريكا استهداف معسكر "أوشفيتز" في بولندا والذي كان يسوق إليه هتلر اليهود ويرتكب في حقهم المجازر. والرسالة الثانية فيها رد وزارة الحرب الأمريكية و الذي جاء متأخرًا خمسة أيام رافضًا أي تدخل عسكري لأمريكا خوفًا من أن يجر ذلك ألمانيا إلى الانتقام منها بصورة أفظع مما حدث في الهولوكوست اليهودي.
هذا "الكوبليه" الأخير الذي أنشده نتنياهو أثار استعطاف الأغبياء و قرف الأذكياء . وتهديد نتنياهو الضمني لأمريكا بأن قرار ضربة عسكرية لإيران هو بيد اسرائيل وحدها يبدو تهديدًا أجوفًا و مسرحية بلهاء ، حيث إن قرارًا كهذا دون ضوء أخضر من أمريكا التي تشكل ملياراتها السنوية الثلاث الداعم العسكري الأهم لدولة اسرائيل هو قرار مستحيل . ولنتذكر أن اسرائيل نفسها لم تستطع الرد على هجوم صدام عليها بصواريخ سكود عام 1991 وذلك رضوخًا لأوامر أمريكا وإكرامًا لرغبتها في عدم اتساع المواجهات و إبعاد اسرائيل عن المشهد.

أمريكا بالتأكيد لا تريد لإيران امتلاك سلاح نووي ، في حين أن إسرائيل لا تريد لإيران الوصول إلى  مرحلة "القدرة" على امتلاكه ، لذلك فإن ضربة عسكرية اسرائيلية لإيران لن تحدث دون مباركة أمريكية ، هذه المباركة لا تبدو بعيدة جدًا خاصة بعد أن بدأت طبول الحرب تدق علنًا في الأيباك !

منال 

نشر هذا المقال في الشرق السعودية بتاريخ 7-مارس-2012

Saturday 3 March 2012

خمسة أساطير حول فلاديمير بوتين



تقرير : أندرو ويس - مدير مركز دراسات روسيا وأوراسيا

أثار رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين حفيظة الكثير من الروس والأجانب على حد سواء عندما أعلن في سبتمبر ايلول انه يريد تبديل الأماكن مع  الرئيس الروسي الحالي ديمتري ميدفيديف (يظهر خلفه في الصورة). حيث أعلن أنه في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية فسيعين ميدفيديف رئيسا للوزراء في حكومته . وبالرغم من أنه من المتوقع أن يفوز بوتين بالرئاسة في الانتخابات التي ستجري غدا الأحد ، غير أن الصورة التي استمرت  لأكثر من عقد من الزمن صوّر فيها بوتين نفسه بالرجل القوي الذي أنقذ روسيا من الفوضى ، هذه الصورة اهتزت و تضاءلت شعبية بوتين  كثيرا حين نزل الروس إلى الشوارع  قبيل الانتخابات الحالية في أضخم مظاهرات مناهضة للحكومة منذ أوائل  التسعينات.
في الوقت الذي يصوّت فيه الروس في انتخاباتهم الرئاسية ، دعونا نفصل الرجل (بوتين) عن خمس أساطير وخرافات أحاطت به :

1. انتصار بوتين المتوقع في الانتخابات الرئيسية يمكن أن يجعله رئيسا مدى الحياة :
حكم بوتين روسيا خلال فترة رئاسته للوزراء كقيصر ، حيث منع الانتخابات المباشرة لرؤساء الأقاليم و همّش المعارضة ، و حيّد القضاء و الإعلام وسيطر حزبه على مجلس الدوما (البرلمان الروسي) ، مع كل هذا غير أن بوتين أبطأ من النمو الاقتصادي و تضخمت في عهده البيروقراطية والفساد مما جعل الشعب يقول "لقد سئمنا" في مظاهرات حاشدة سبقت الانتخابات الحالية وحطمت صورة بوتين القيصر الذي لا يُقهر . ولتهدئة المتظاهرين أعلن الرئيس الروسي الحالي ميدفيديف ،عن حزب روسيا المتحدة وهو الحزب الحاكم الحالي والذي ينتمي إليه بوتين كذلك ، أعلن عن إصلاحات أبرزها الحد من الفساد والعودة إلى انتخاب حكام الأقاليم انتخابا مباشرا و تخفيف سيطرة رئيس الوزراء على البلد ، هذه التغييرات ستجبر بوتين على تغيير سياسته أو سترغمه على الخروج من السلطة خلال عامين أو أقل  بعد أن يضمن  خليفة له يمكن أن يساعده على الخروج بكرامة و يجنبه أي ملاحقة قضائية.

2.  بإمكان بوتين استخدام موارد روسيا من نفط وغاز كسلاح سياسي:
موارد روسيا الطبيعية جعلت من روسيا احد الدول الغنية و مورد مهم للطاقة في أوروبا . وقد استخدم بوتين سلاح النفط  خلال نزاعه التجاري مع أوكرانيا و جعل أوروبا الوسطى والشرقية تنتفض بردا بعد أن قطع امدادات النفط عنهما عام 2006  ولكن الإقتصاد الروسي خسر كثيرا حينها وكان نتيجة ذلك الرهينة الأولى . في عام 2011 ، بلغت العائدات من النفط والغاز حوالي نصف الميزانية الاتحادية لروسيا ، و المواد الخام تشكل أكثر من 85 % من الصادرات ، كما أن الصناعات المحلية الآن لا تستطيع منافسة عوائد النفط والغاز التي تعتمد عليها الحكومة كثيرا في الإنفاق العسكري و الإصلاحات . لذلك فسلاح النفط سيجعل من روسيا الخاسر الأكبر و من المستبعد أن يكون ورقة رابحة في يد بوتين . 

3. بوتين يرغب في اعادة الإتحاد السوفيتي:
تصريحات بوتين بأن انهيار الإتحاد السوفيتي كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن ، و مخططه الضبابي حول  إتحاد اوروبي آسيوي (أوراسيا) يضم جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق ، وإعلان قيام اتحاد جمركي مع كازاخستان وروسيا البيضاء . كل هذا أثار مخاوف حول أطماعه في الدول المجاورة لروسيا.   غير أن تلك الأحلام لو تحققت فإن روسيا ستواجه كابوس متمثل في تدفق طوفان العمال المهاجرين من الدول المجاورة لها ، و التزامها بعد ذلك بدعم الوضع الإقتصادي السئ لتلك الدول. و لقد قال بوتين من قبل :"من لا يشتاق للإتحاد السوفيتي ليس له قلب و من يرغب باسترجاعه ليس له عقل" !

4. إن انتصارا حاسما لبوتين بإمكانه سحق المعارضة :
من المحتمل أن يفوز بوتين في الانتخابات الرئاسية غدا الأحد حيث أنه يتمتع بدعم كبير في المدن الصغيرة والريف وفيهما  يقيم ثلثي الناخبين الروس. غير أن استطلاعا لمركز ليفادا للأبحاث أظهر أن 35 % من الناخبين لا يؤيدون بوتين . هؤلاء أغلبهم من الطبقة الأكثر ثراء في المناطق المتحضرة و المطلعة ، و بالرغم من استفادة هؤلاء من حكم بوتين غير أنهم سيعتبرون فوزا ساحقا لبوتين بمثابة احتيال في الانتخابات و يتزامن كل هذا مع المظاهرات التي تنوي تنظيمها المعارضة الأسبوع القادم و تحذيرات بوتين من أن المعارضة تخطط لقتل أحد أفرادها  لتشويه سمعة بوتين والحكومة ، و لذلك فإن المرحلة القادمة تعد بمواجهات جديدة .

5.عداء بوتين للولايات المتحدة الأمريكية سيقوض جهود أمريكا في تحسين علاقاتها بروسيا :
بناء علاقة ايجابية مع بوتين الذي يكبر الرئيس الأمريكي أوباما بعشرة سنوات ويصرح دوما بعدم استخدامه للهاتف الجوال والانترنت ! لن يكون بالأمر السهل في ظل موقف روسيا من سوريا وإيران و مزاعم روسيا بتدخل أمريكا في سياستها . غير أن بوتين قد أظهر قدرته على التعامل بصورة عملية عندما يتعلق الأمر بمصالح روسيا ، يشهد بذلك دعمه للولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر الإرهابية عام 2011، وتصويت روسيا في مجلس الأمم المتحدة لصالح تشديد العقوبات على إيران في العامين 2009 و2010 ، وتوقيع أمريكا وروسيا على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في العام 2010 ، وإنشاء ممرات إمدادات للقوات الأمريكية في افغانستان عبر روسيا . و يظل هناك الكثير من القضايا الهامة على جدول الأعمال المشتركة بين البلدين مثل : اتفاقيات الحد من الإنتشار النووي ، و الحد من الإرهاب ، بالإضافة إلى الوضع الخطير في باكستان ، وقائد محنك مثل بوتين يدرك بالتأكيد أهمية أمريكا كشريك رئيسي . 

ترجمة : منال  

المقال الأصلي نشر في الواشنطن بوست بتاريخ 2-مارس-2012


Thursday 1 March 2012

ضحايا التعنيف ... "سوالف شوارع" !؟



عندما يتحول القضاء لأداة تعنيف ووسيلة ضغط على الضعفاء عند مطالبتهم بحقوقهم و انتفاضهم على ما يقع عليهم من الظلم ، فإن التعنيف والظلم سيشملان حتما دائرة أوسع و أكبر من الأشخاص عندها يفلت العدل و تصعب السيطرة على الاضطهاد.

خرجت سلمى 36 سنه من منزل والدها في أبها لتأخذ ابنها ناصر 17 عام من طليقها في المدينة المنورة ، فرفع عليها والدها بالتواطؤ مع طليقها قضية تغيّب عن المنزل ، و كان نصيبها الحكم بالسجن لأربعة أشهر و الجلد تسعون جلدة. لم يتواجد مع سلمى أي محام ولم يسمح لها باستئناف الحكم و عند اعتراضها عليه هددها القاضي بمضاعفته . نَفّذ حكم الجلد على سلمى مجموعة من الرجال، وبعد انتهاء المحكومية رفض أهلها استلامها من السجن فامتد مكوثها فيه لشهريين إضافيين حتى استلمها أخوها الغير شقيق فخرجت لتجد ابنها سجين أحداث المدينة المنورة بتهمة طعن شخص عايره بسجن والدته !  
(العنف يولد العنف) هذا الشاهد من حديث سلمى –أم ناصر- في برنامج الثانية مع داوود الشريان والذي أذيع الاثنين الماضي مباشرة على الهواء . الشريان استضاف ثلاث معنفات سعوديات يشتكين جور الأهل و تكالب القضاء و الشؤون الاجتماعية ، ومعاملة الثلاث جهات لهن كجانيات و هن الضحايا !
استضاف داوود الشريان في نفس الحلقة مسؤولاً في القضاء بدأ حديثه - مازحًا - بالمطالبة بمكافأة مالية مقابل ظهوره في البرنامج ! ثم مضى يقول أن "الهدف من الجلد ليس الإيذاء الجسدي إطلاقا". وعندما أبدى له الشريان استنكاره بأن يقوم الرجال بجلد امرأة، برر هذا بقوله : المرأة ضعيفة و لا يمكنها أن تباشر إقامة الحدود !. إذا كان الهدف من الجلد بعيدًا عن الإيذاء الجسدي فكيف يكون ذلك بالله تبريرًا منطقيًا من حضرة القاضي ؟! 

و السؤال الأهم من ذلك الآن هو لماذا يتم التعامل مع قضايا اجتماعية و خلافات عائلية كهذه باعتبارها قضايا جنائية يُحكم فيها بإقامة الحد والسجن و تتعرض فيها الحلقة الأضعف وهي المرأة للتعنيف تحت مظلة رسمية بغرض مستتر وهو إخماد همّة المرأة أو تأديبها بسبب خروجها عن ولي أمر ظالم ! ثم عندما تصل قضيتها للإعلام لا تجد من يتعامل مع شكواها بجدية على اعتبار أن ما تقوله "سوالف من الشارع" كما عبّر بذلك المسؤول القضائي على الهواء مباشرة !
 إن من أولويات سلطة المجتمع و الممثلة هنا بالقانون حماية الضعيف و محاوطة حقه و ليس بعثرته و تشتيت أهدافه و الانتقام من شجاعته في الحق ، أو كما عبر عن ذلك الدكتور عمر المديفر في اللقاء بقوله : الضعيف يُنصَف بحَاجتِه وليس بحُجّته.

منال 

نشر هذا المقال في موقع صحيفة الشرق بتاريخ 28 فبراير 2012