Wednesday 25 April 2012

فورمولا السياسة



شعر البحرينيون بالكثير من الارتياح بعد انتهاء فعاليات سباق "الفورمولا 1" ، ولكن أسباب ذلك الارتياح اختلفت مع الأسف باختلاف الطائفة. البعض مرتاح لنجاح فعالية رياضية مهمة للبحرين ، و آخرون يرون في الزخم الإعلامي المضاد الذي صاحبها مدعاة لفشل الحدث الرياضي و ارتياح المعارضة البحرينية.

وكالات الأنباء العربية أشادت بالتنظيم وباركت لقيادة البحرين نجاح السباق و "تجاوز" التحديات. أما الصحافة العالمية و البريطانية منها خاصة ، فقد عبرت بوضوح عن استياءها من تنظيم سباق الفورمولا في مملكة البحرين ، و اعتبرت الحدث انتكاسة للأخلاق "الرياضية" ، و طالب قبل ذلك 17 نائب في البرلمان البريطاني بإلغاء السباق ! فيما عبّر مقتدى الصدر (زعيم التيار الصدري العراقي و ميليشيا جيش المهدي) عن شجبه واستنكاره للسباق و حث أئمة المساجد في العراق على التحريض ضد اقامته في البحرين عبر خطبهم ! بينما دعى مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان البحرين للاستجابة لمطالب شعبها و انهاء القمع قبل سباق الفورمولا !

بعد كل ما سبق ، هل تم التعامل مع حدث رياضي و اقتصادي بحت بعيدًا عن الرغبة في تحقيق أي أهداف سياسية !؟ و أي الطرفين في البحرين وضع مصلحة  مملكة البحرين فوق كل اعتبار؟

مدراء فرق الفورمولا أجابوا صراحة عن ذلك و عبروا عن استيائهم الشديد من التغطية الإعلامية التي تناولت الفورمولا بتسييس واضح . و اعتبروا القضايا المطروحة كعائق لإقامة السباق سياسية بحته تمر بها دول كثيرة يطالب مواطنوها بالإصلاح كبريطانيا و فرنسا و دول عديدة ، و تم ربطها بسباق الفورمولا في قالب مفرط في الدراما.  

إن إلغاء السباق كان سيرسي سابقة تؤول بالرياضة إلى الندم ، و سيشكل انتصارًا "للمتطرفين" كما كتب بالأمس آدم نيكولز مراسل صحيفة المترو البريطانية.

لن أعمل على ربط و تحليل ما سبق ، الرؤية واضحة لمن أراد أن يتقدم في المسير و أراد للبحرين الخروج من هذا النفق المظلم عبر اصلاحات تُناقش على مبدأ الوطن يأتي أولا. أما من أراد للبحرين الغرق في مستنقع من الفرقة و الخلافات السياسية ، فسيجد من يبرر له ذلك و يمده بسيل من الخطب "الجارفة" من على منابر المساجد الصدرية !

 منال 

نشر المقال في الشرق بتاريخه 

Wednesday 18 April 2012

إلى العاطلين عن العمل و الحب


 لوحة يونيو الملتهب للبريطاني فريدريك لورد ليتون 
(و الخيط الرفيع بين الموت و الراحة)


من الصعب جدا على بعض النفوس المكوث لفترة  في محطة واحدة من محطات حياتهم . و من المحطات ما لا نرغب في اكتشافها لأننا نظن أنها خصصت للمرور العابر فقط .

يختلف المناسب فعله في وضع "الترانزيت" هذا بحسب نوعية رحلتنا السابقة ! فإذا كانت صعبة مليئة بالتحديات المؤذية للروح ، و انتهت بنا مهزومة أحلامنا ، فإن الرضوخ للانهزام  ولو لفترة وجيزة نعود خلالها إلى توازننا ونصقل فيها أحلام جديدة ، هو جزء مهم من عملية دفن عمق مؤلم في الروح يجب أن نعترف بوجوده . نحن بحاجة إلى الاستسلام قليلا للأحزان و اعطاءها حقها المشروع -إلى حد ما- من وعينا و قوتنا أو حتى ألمنا و انحدار دموعنا ، لنشعر بعد ذلك بلذة الانتصار عليها و نشوة التخفف منها .

اكتشفت دراسة حديثة في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية أن الإنسان في حزنه يكون أكثر انتباهًا و فطنة لما يدور حوله ، و أكثر نجاحًا في ايصال أفكاره  و أقدر على صناعة القرار . كما يقول باحث الدراسة جو فورغاس : الحزانى أقل ارتكابًا للأخطاء ! كل هذه الأمور الإيجابية للحزن ، في حال الوعي بها ، ستنتقل بنا بصورة أسرع إلى محطة جميلة و جديدة من الحياة . 

من ناحية ثانية فإن الانتظار على (جانب) الحياة بعد رحلة ماتعة أو ناجحة ، فيه مشقة  على النفس . فبعد الإثمار يُتوقع الحصاد ، وعندما يتأخر الحصاد يبدأ القلق و قد يصل هذا القلق إلى يأس يذوي بمكتسبات الرحلة. هنا يجب علينا أن ندرك أن ثمار الرحلة الشهية بحوزتنا ، و مكتسباتها لا تحتاج إلى حصاد فهي ملك لنا الآن ، تشغيلها واستغلالها يبدأ من عندنا قبل أن يحدث من قِبل غيرنا . إن الهدوء بعد الصخب مرحلة مهمة لإحصاء مكتسبات الرحلة و اكتشاف تواءم (غير شبيهة) لها كانت بحوزتنا من قبل ، و تزاوج المعطيات بالمكتسبات يحتاج هذا الهدوء الجميل لينجح . فالمهندس الكيميائي قد يضيف قضية اجتماعية إلى قائمة أهدافه و يبرع في دعمها ، و صاحب القلب المترقب في قصة حب فقدت بريقها قد يصبح شاعرًا جميلًا ... و هكذا ...
الركون إلى واقع خذلنا ليس الهدف اطلاقا من هذا المقال ، إنما استغلال هذا (الركون) المؤقت و الخروج منه بأفضل النتائج هو القصد من وراءه ... ولعل الغرض يتم في قول الأمريكي الساخر ويل روجرز : حتى لو كنت في الطريق الصحيح فسيُقضى عليك (دهسًا) إذا أطلت الجلوس فيه !

منال

نشر هذا المقال في الشرق بتاريخ 17 ابريل 2012

Thursday 12 April 2012

حوار الأديان في جلاسكو




حدث لحسن حظي أن صادف تواجدي في مدينة جلاسكو الاسكتلندية شهر مارس (آذار) الماضي اسبوع التوعية بالإسلام ، و الذي يُقام سنويًا برعاية رابطة الطلبة المسلمين في جامعة جلاسكو ثالث أكبر المدن البريطانية من حيث السكان.  يهدف هذا الأسبوع إلى مسح الصورة النمطية و تعديل المفاهيم الخاطئة عن الإسلام عن طريق عقد الندوات و عرض بعض الأفلام الهادفة.

حرصت على حضور ندوة تناقش الحوار بين الأديان السماوية الثلاث ، توسط طاولة النقاش في الندوة (داوود دنكن) رئيس رابطة الطلبة المسلمين ، و على يساره جلس (جوناثان) ممثلًا عن إحدى المنظمات المسيحية ، و انضم للرجلين (نيكولاس) رئيس رابطة الطلبة اليهود . وها أنا ذا في غرفة واحدة مع يهودي يرتدي (الكيباه) ، و قد نبت في رأسي قرنان !

دار النقاش عن نقاط تشابه واختلاف الأديان السماوية وهي لا تخفى على أي باحث أو مهتم. غير أن محور التحديات التي تواجهها الأديان الإبراهيمية في بريطانيا كان من وجهة نظري المحور الأهم في الندوة و الأكثر اطلاقًا لتفكيري. اتفق جوناثان ونيكولاس على أن الإلحاد يشكل الخطر الأكبر على المسيحية واليهودية ، و بما أن اليهودية ليست دينًا تبشيريًا أي لا تسعى إلى استقطاب مؤمنين جدد بها  فإن اليهود يعتبرون الإلحاد أمرًا يشكل تهديدًا حقيقيًا عليهم. وبالرغم من أن المسيحيين يعتبرون التبشير و الدعوة من الأساسيات العقائدية لديهم ، غير أن نسبة الإلحاد و اللاأدرية مجتمعتيْن وصلت بحسب بعض الإحصائيات في بريطانيا إلى 44 % !
 عندما أتى دور داوود ليشرح أهم التحديات التي يواجهها الإسلام قال ثلاثة جُمل ذهبية : الإسلاموفوبيا هي ما يخيفنا ، و قد بانت ظاهرة الخوف من الإسلام و المسلمين واضحة كنتيجة لراديكالية بعض المسلمين ، الذين قد يوصلنا تطرفهم في يوم من الأيام إلى أن نخشى على الإسلام ما يخشاه المسيحيون واليهود اليوم ... الإلحاد ! 

قالها داوود فتذكرت بحُزنٍ الكثير ...

على الجانب الآخر ، فإن الهدف المنشود من حوار الأديان هذا لم تبلغه مجموعة من الحقائق المطروحة فيه بقدر ما عززته أجواء السلام و الاحترام بين المتحدثين و الحضور من كافة الديانات . و كان لاشتراك نيكولاس اليهودي مع داوود المسلم في دحض بعض الشبهات حول الإسلام و التي حاول أحد الحضور إثارتها أكثر من مرة بالغ الأثر في اخفاء كل أمارات التحفّز ضده من فوق رأسي !

منال 

نشرت هذه التدوينة في "الشرق" بتاريخ 11 ابريل 2012

Friday 6 April 2012

الموت بالحكومة



بعد أن يهدأ اليوم و تجد نفسك أمام نشرة أخبار الحادية عشرة مساءًا ، تمر أمامك مشاهد من سوريا فتدفعك بعد الاسترخاء المزعوم نحو زاوية حادة جدا بين الدهشة والاشمئزاز .
لا يوجد من بين الأسوياء من لم يكرر هذا السؤال على تعيس الحظ الذي يشاركه غالبًا مشاهدة الأخبار الليلية : كيف ترتكب الحكومة السورية كل هذه المجازر بحق شعبها ؟

"ديموسايد" أو الموت بيد الحكومة ، مصطلح أطلقه استاذ العلوم السياسية الأمريكي (أرجي رامل،1994) في كتاب يحمل نفس العنوان ويعني تحديدا موت المواطنين على يد حكوماتهم المعترف بها دوليًا. وفقًا لرامل فقد قضى نحو 170 مليون انسان نحبهم في القرن العشرين مقتولين بيد حكوماتهم ، في مقابل 30 مليون شخص قتلوا في نزاعات مسلحة !

للمجازر تفسيرات سيكولوجية تتعدى مفهوم الشر إلى مجموعة من العوامل قد يؤدي اجتماعها في أي فئة من البشر محفزا على ارتكابها. و من الكتب الشهيرة التي اجتهد كاتبها بروفيسور علم النفس "ايرفين ستاوب" في بحث هذا الموضوع المُربك منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم ، كتاب :"جذور الشر: منشأ الإبادة الجماعية و العنف الجماعي" . من أكثر العوامل التي يعتقد ستاوب بتأثيرها الشيطاني القوي على قدرة ارتكاب البشر للمجازر ، واعتبرتُه أنا من أكثر العوامل "جاذبية" لغموضه السيكولوجي و الذي ينكشف عاريًا في الحالة السورية ، هو قناعة مجموعة معينة بتفوقها العرقي أو حتى العقلي ، يرافق هذه القناعة بالسموّ شكوكًا عميقة في النفس تصاحبها في الغالب عقدة اضطهاد و الشعور بوجود تهديد حقيقي و مؤثر يجب القضاء عليه في سبيل البقاء. هذا الخليط العجيب يعد بمثابة سُقيا لأرض خربة تزرع الموت و تحصد الأرواح ، و خامة مغرية لتفصيل الشر لم يفلح الربيع العربي في صنفرتها و تهذيبها في أماكن عديدة من عالمنا العربي.
أصحاب القومية "المفرطة" كذلك و الذين يؤمنون إيمانًا عميقا بمشاريع توسعية لنشر فكر أو قيم معينة ، يجدون غالبًا في أي معارضة و اختلاف تهديدًا مباشرًا لهم و مؤامرة "كونية" على مشاريعهم القومية ! هذا التهديد و التآمر مسوغان لارتكاب أفظع المجازر دون أدنى شعور بالذنب بل يصحب ارتكابها فخر مستمد من قناعة بأنهم يقومون بواجب حفظ الأمن القومي و الذي يعتبر هاجسًا يسيطر على هذا النوع من العقول. 

هذه المحاولة البسيطة في فهم سيكولوجية ودوافع العنف البشري مهمة جدا لسلمنا الداخلي ، و للحفاظ على حد أدنى من احترامنا لإنسانيتنا ، وفي البحث عن مخرج كريم للإنسان من هذه الحياة غير الموت بيد حكومته !

يرى الكثير من الباحثين في تاريخ العنف البشري أن هذه الصراعات و المجازر التي انتهكت انسانية الأرض و ضاقت بها السماء على مر العقود ، و لم تحد منها عولمة ولا أعدمها تطور، نادرة الحدوث داخل أو بين الدول التي تنعم كافة أطراف النزاع فيها بديمقراطية حقيقية. من ضمن هؤلاء الباحثين أرجي رامل الذي ترشح عدة مرات لجائزة نوبل للسلام ، و الذي أثبت مع غيره بالتجارب و البراهين أن التحول الديمقراطي الحقيقي (وليس فقط الانتخابات الديمقراطية) بل التحول الذي يكفل الحقوق المدنية و السياسية و الضامن للحريات قادر على الحد من العنف أو "الموت بالحكومة" !

منال 

نشر هذا المقال في "الشرق" بتاريخ 5 ابريل