مع كل أزمة "محلية" تصاب فئة كبيرة وعريقة من الناس "بمتلازمة" تسمى نسبية الأخلاق فتطرح عنها من المبادئ والقيم ما يعرّيها حتى يقف العقلاء من ذلك في ذهول !
يقول الرافعي في مقال له ضمن كتابه وحي القلم : لو أنني سُئلت أن أُجمّل فلسفة الدين الإسلامي كلها في لفظين ، لقلت "إنها ثبات الأخلاق" ، ولو سُئل أكبر فلاسفة الدنيا أن يوجز علاج الإنسانية كله في حرفين ، لما زاد على القول: "إنه ثبات الأخلاق".
إن الأخلاق لا تتجزأ يا سادة ، ولا يُستثنى منها شئ وفقاً للظروف والأحداث و استجابة لضغوط المجتمع. فباسم ماذا يُشرّع همز الناس ولمزهم و تسميتهم بأكره الأسماء إلى قلوبهم و معايرتهم بما ليس فيهم أو ربما حتى هو فيهم !؟ فهذا محامي "نص كُم" لأنه يدافع عن خصمك ، و ذاك زنديق لأنه طالب بالعفو والبر ، و هؤلاء جاميون وأولئك سروريون -لا أعلم حجة لهذين التصنيفين ولن أبحث عنها- حتى فُتن الناس بفكرة تأجير مساحات من عقولهم لمن يجيد التصنيف من النخبة ، فلا يهدأ لهم بال حتى يضع الواحد منهم كل شخص اختلف معه في خانة مُستأجرة من عقله !
في مثل هذه الحالة من الفوضى التي لم تعد فيها ثوابتنا الأخلاقية ضماناً لحفظ حقوق الناس "العاديين" ، و لا تقف حائلا دون تعرضهم للقذف والتشهير والحكم على نواياهم ، أرى ما رآه الفرنسي هنري برجسون في فلسفته الأخلاقية وهو أن الامتثال للواجب الأخلاقي لا ينبع من الإرادة الحرة للأفراد ، و أنه لابد من توفر "سلطة المجتمع" من أجل احترام الواجب . سلطة المجتمع هنا بمعنى الثقافة، الدين ، القانون والتربية .
وبما أن ثقافتنا لم تتضح لها سمات بعد ! و أخلاقنا الإسلامية أصبحت نسبية ، و التربية هي التي أنتجت كل هذه الفوضى ! يبقى الأمر في نهايته بيد القانون ، فلابد إذن من توعية أفراد المجتمع بحق السمعة و الكرامة والذي يعتبر بند من بنود الإعلان العالمي الإسلامي لحقوق الإنسان . و تيسير الطرق القانونية الفعالة لكي يسترجع كل متضرر حقه المعنوي حتى ننأى بالمجتمع عن أي فتنة و نحمي هذا الوطن مما قد يجره إليه بعض الحمقى دون "وعي" منهم.
منال
نشر هذا المقال في صحيفة الشرق بتاريخ 16 فبراير 2012
No comments:
Post a Comment
Read & Share , but after posting a comment!