Friday 6 April 2012

الموت بالحكومة



بعد أن يهدأ اليوم و تجد نفسك أمام نشرة أخبار الحادية عشرة مساءًا ، تمر أمامك مشاهد من سوريا فتدفعك بعد الاسترخاء المزعوم نحو زاوية حادة جدا بين الدهشة والاشمئزاز .
لا يوجد من بين الأسوياء من لم يكرر هذا السؤال على تعيس الحظ الذي يشاركه غالبًا مشاهدة الأخبار الليلية : كيف ترتكب الحكومة السورية كل هذه المجازر بحق شعبها ؟

"ديموسايد" أو الموت بيد الحكومة ، مصطلح أطلقه استاذ العلوم السياسية الأمريكي (أرجي رامل،1994) في كتاب يحمل نفس العنوان ويعني تحديدا موت المواطنين على يد حكوماتهم المعترف بها دوليًا. وفقًا لرامل فقد قضى نحو 170 مليون انسان نحبهم في القرن العشرين مقتولين بيد حكوماتهم ، في مقابل 30 مليون شخص قتلوا في نزاعات مسلحة !

للمجازر تفسيرات سيكولوجية تتعدى مفهوم الشر إلى مجموعة من العوامل قد يؤدي اجتماعها في أي فئة من البشر محفزا على ارتكابها. و من الكتب الشهيرة التي اجتهد كاتبها بروفيسور علم النفس "ايرفين ستاوب" في بحث هذا الموضوع المُربك منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم ، كتاب :"جذور الشر: منشأ الإبادة الجماعية و العنف الجماعي" . من أكثر العوامل التي يعتقد ستاوب بتأثيرها الشيطاني القوي على قدرة ارتكاب البشر للمجازر ، واعتبرتُه أنا من أكثر العوامل "جاذبية" لغموضه السيكولوجي و الذي ينكشف عاريًا في الحالة السورية ، هو قناعة مجموعة معينة بتفوقها العرقي أو حتى العقلي ، يرافق هذه القناعة بالسموّ شكوكًا عميقة في النفس تصاحبها في الغالب عقدة اضطهاد و الشعور بوجود تهديد حقيقي و مؤثر يجب القضاء عليه في سبيل البقاء. هذا الخليط العجيب يعد بمثابة سُقيا لأرض خربة تزرع الموت و تحصد الأرواح ، و خامة مغرية لتفصيل الشر لم يفلح الربيع العربي في صنفرتها و تهذيبها في أماكن عديدة من عالمنا العربي.
أصحاب القومية "المفرطة" كذلك و الذين يؤمنون إيمانًا عميقا بمشاريع توسعية لنشر فكر أو قيم معينة ، يجدون غالبًا في أي معارضة و اختلاف تهديدًا مباشرًا لهم و مؤامرة "كونية" على مشاريعهم القومية ! هذا التهديد و التآمر مسوغان لارتكاب أفظع المجازر دون أدنى شعور بالذنب بل يصحب ارتكابها فخر مستمد من قناعة بأنهم يقومون بواجب حفظ الأمن القومي و الذي يعتبر هاجسًا يسيطر على هذا النوع من العقول. 

هذه المحاولة البسيطة في فهم سيكولوجية ودوافع العنف البشري مهمة جدا لسلمنا الداخلي ، و للحفاظ على حد أدنى من احترامنا لإنسانيتنا ، وفي البحث عن مخرج كريم للإنسان من هذه الحياة غير الموت بيد حكومته !

يرى الكثير من الباحثين في تاريخ العنف البشري أن هذه الصراعات و المجازر التي انتهكت انسانية الأرض و ضاقت بها السماء على مر العقود ، و لم تحد منها عولمة ولا أعدمها تطور، نادرة الحدوث داخل أو بين الدول التي تنعم كافة أطراف النزاع فيها بديمقراطية حقيقية. من ضمن هؤلاء الباحثين أرجي رامل الذي ترشح عدة مرات لجائزة نوبل للسلام ، و الذي أثبت مع غيره بالتجارب و البراهين أن التحول الديمقراطي الحقيقي (وليس فقط الانتخابات الديمقراطية) بل التحول الذي يكفل الحقوق المدنية و السياسية و الضامن للحريات قادر على الحد من العنف أو "الموت بالحكومة" !

منال 

نشر هذا المقال في "الشرق" بتاريخ 5 ابريل

No comments:

Post a Comment

Read & Share , but after posting a comment!