لوحة يونيو الملتهب للبريطاني فريدريك لورد ليتون (و الخيط الرفيع بين الموت و الراحة) |
من الصعب
جدا على بعض النفوس المكوث لفترة في محطة
واحدة من محطات حياتهم . و من المحطات ما لا نرغب في اكتشافها لأننا نظن أنها خصصت
للمرور العابر فقط .
يختلف المناسب فعله في وضع "الترانزيت" هذا بحسب نوعية رحلتنا
السابقة ! فإذا كانت صعبة مليئة بالتحديات المؤذية للروح ، و انتهت بنا مهزومة
أحلامنا ، فإن الرضوخ للانهزام ولو لفترة وجيزة نعود خلالها إلى توازننا ونصقل فيها
أحلام جديدة ، هو جزء مهم من عملية دفن عمق مؤلم في الروح يجب أن نعترف بوجوده .
نحن بحاجة إلى الاستسلام قليلا للأحزان و اعطاءها حقها المشروع -إلى حد ما- من
وعينا و قوتنا أو حتى ألمنا و انحدار دموعنا ، لنشعر بعد ذلك بلذة الانتصار عليها
و نشوة التخفف منها .
اكتشفت دراسة حديثة في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية
أن الإنسان في حزنه يكون أكثر انتباهًا و فطنة لما يدور حوله ، و أكثر نجاحًا في
ايصال أفكاره و أقدر على صناعة القرار . كما
يقول باحث الدراسة جو فورغاس : الحزانى أقل ارتكابًا للأخطاء ! كل هذه الأمور
الإيجابية للحزن ، في حال الوعي بها ، ستنتقل بنا بصورة أسرع إلى محطة جميلة و
جديدة من الحياة .
من ناحية ثانية فإن الانتظار على (جانب) الحياة بعد رحلة ماتعة أو
ناجحة ، فيه مشقة على النفس . فبعد
الإثمار يُتوقع الحصاد ، وعندما يتأخر الحصاد يبدأ القلق و قد يصل هذا القلق إلى
يأس يذوي بمكتسبات الرحلة. هنا يجب علينا أن ندرك أن ثمار الرحلة الشهية بحوزتنا ،
و مكتسباتها لا تحتاج إلى حصاد فهي ملك لنا الآن ، تشغيلها واستغلالها يبدأ من
عندنا قبل أن يحدث من قِبل غيرنا . إن الهدوء بعد الصخب مرحلة مهمة لإحصاء مكتسبات
الرحلة و اكتشاف تواءم (غير شبيهة) لها كانت بحوزتنا من قبل ، و تزاوج المعطيات
بالمكتسبات يحتاج هذا الهدوء الجميل لينجح . فالمهندس الكيميائي قد يضيف قضية
اجتماعية إلى قائمة أهدافه و يبرع في دعمها ، و صاحب القلب المترقب في قصة حب فقدت
بريقها قد يصبح شاعرًا جميلًا ... و هكذا ...
الركون إلى واقع خذلنا ليس الهدف اطلاقا من هذا المقال ، إنما استغلال
هذا (الركون) المؤقت و الخروج منه بأفضل النتائج هو القصد من وراءه ... ولعل الغرض
يتم في قول الأمريكي الساخر ويل روجرز : حتى لو كنت في الطريق الصحيح فسيُقضى عليك
(دهسًا) إذا أطلت الجلوس فيه !
منال
نشر هذا المقال في الشرق بتاريخ 17 ابريل 2012
No comments:
Post a Comment
Read & Share , but after posting a comment!