Sunday 25 May 2014

صهر الوعي في ذكرى النكبة

محمد على يمين الصورة و نديم على يسارها


مرّ خبر استشهاد مراهقين فلسطينيين في ذكرى يوم النكبة 15 مايو الماضي كما تمر الأخبار من الأراضي المحتلة مرورا كريما يراعي حالة البؤس العربي العام. نديم نوارة (17 عام) ومحمد أبو الظاهر (16 عام)، استشهد كلاهما برصاصة إسرائيلية أثناء وقفة تضامنية  مع الأسرى المضربين عن الطعام أمام سجن عوفر الذي يضم أكثر من 20 أسير فلسطيني من أصل 180 أسير مضرب عن الطعام في سجون الاحتلال احتجاجا على الاعتقال الإداري. الحادث المؤلم أوردته صحيفة "النيويورك تايمز"، المرة الأولى كخبر في نسختها الألكترونية، والثانية كتدوينه تشمل فيديو يصور عملية إطلاق الرصاص الحي على الشابين أمام السجن في قسم التدوين الخاص بالصحيفة، كما نشر الخبر اليوم التالي للحادثة في نسختها الورقية.
وقف نديم و محمد بالقرب من سجن عوفر تضامنا مع المعتقلين الإداريين ولم يشكل الاثنان، كما أظهر تسجيل الفيديو،  أي تهديد مباشر على القوات الإسرائيلية. نديم تلقى رصاصة قاتلة في صدره، وأصابت محمد رصاصة قاتلة في الظهر.
وجدت في بعض المواقع و الصحف المعدودة التي نشرت الخبر صور للشهيدين يظهر فيها نديم و محمد بابتسامة تغمر القلب و أمل يشعل الوجدان  يصعّبان عليك تجاهل خيبة رحيل هذه الأرواح  مبكرا
الاعتقال الإداري المغيّب عن الرأي العام، والذي كلّف التعاطف مع ضحاياه نديم ومحمد حياتهما، هو اعتقال يصدر بأمر إداري دون توجيه تهمة، يبقى الأسير في المعتقل لمدة غير محدودة تبدأ هذه المدة بثلاثة شهور قابلة للتجديد حتى خمس سنوات. يخضع قرار الاعتقال الإداري لمزاج سلطة الاحتلال وتقارير إستخباراتية تنقصها الأدلة الصريحة الكافية لتوجية التهمة للأسير عبر القضاءالاعتقال السياسي أيا كان نوعه هو اعتقال  يستهدف الروح و العقل، ويحطم القطع التي تشكل الوعي الواحدة تلو الأخرى، ويبقى الجسد .. عبئا آخرا يحمله الأسير ولا يعرف كيف ومتى الخلاص منه. الهدف من هذا الاعتقال كما يصفه الأسير وليد دقة في رسالة له من المعتقل "الهدف هو إعادة صياغة البشر وفق رؤيا اسرائيلية عبر صهر وعيهم، لا سيما وعي النخبة المقاومة في السجون". وهو ما تهدف له البقية الباقية من الاعتقالات السياسية حول العالم.
بين سجين سياسي في عوفر وجثتي نديم ومحمد الممددتان أمام السجن فواصل عمرية وحسابات شاسعة اختزلها الغبن والاحتلال وجمعها في كفة واحدة: كفّة "القضية"، قضية ستظل تهزم بعض النخب الفكرية العربية التي قررت الاحتفاء بذكرى النكبة بالدعوة إلى الانطلاق والتحرر منها عبر التفكير من منظور آخر بعيد كل البعد عن واقعها، منظور يتهم نضال أصحاب الأرض  بالغرق في أحلام وردية بينما هو غارق في رومانسية تفهّم العدو وتقبل الآخر. نخب ساهمت من حيث لا تعلم في صهر وعي ""أعداء إسرائيل" من العرب في الخارج، وساعدت اسرائيل كثيرا بإعطائها المزيد من الوقت و الحرية في السيطرة على أعداء الداخل أصحاب الحق، أصحاب الأرض. بينما وفي ذات الوقت يتزايد وبشكل ملحوظ عدد اليهود المناهضين للصهيونية والجماعات اليهودية الرافضة لوجود دولة اسرائيل والداعية لمقاطعتها بل وإلى تفكيك كامل لما تسميه بعض هذه الجماعات "دولة المسخ إسرائيل"، والتي وصل عددها في بريطانيا وحدها إلى أكثر من خمس منظمات يهودية تعمل مع غيرها حول العالم على تفعيل مقاطعة دولية اقتصادية ثقافية على كل ما هو اسرائيلي.
صهر الوعي وتطبيعه حتى يرضخ للمحتل، وحصر الحراك الشعبي في محاولة التعايش السلمي مع الاحتلال لن ينجح ببساطة  في تغيير واقع أن دولة إسرائيل محتلة ولن يلغي شرعية المقاومة وحق تقرير المصير.
منال


نشرت هذه التدوينة في صحيفة التقرير بتاريخ 24 مايو 2014


No comments:

Post a Comment

Read & Share , but after posting a comment!